خبر الآحاد و حجيتهُ عند المالكية

الحمد لله الذي رفع بالعلم درجات أهله، و حثهم على سلوك طريقه و كسبه، و أثابهم على سلوكهم طريق حمله، و وعدهم بالبشارة في الدارين على إيصاله و نقله؛ و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله تعالى أجمعين، سيدنا محمد المبعوث بالرحمة المطلقة لخلقه؛ و على آله و أزواجه و صحابته من بعده،
و بعد،
الخبر الواحد كما عرفه الإمام القرافي في ((شرح تنقيح الفصول)): "
هو خبر العدل الواحد أو العدول المفيد للظن". و عرفه الباجي في ((إحكام الفصول)) بقوله:"و حد خبر الآحاد عند أهل الأصول ما لم يقع العلم بخبره ضرورة من جهة الإخباربه، و إن كان الناقلون له جماعة".اهـ.
و عرفه ابن الحاجب في ((المختصر الأصولي)) بأنه:"
خبر لم ينته إلى التواتر".
و التعاريف التي نقلتها تجتمع على أركان لخبر الآحاد متفقة، و يمكن تلخيصها في قولنا بأن خبر الآحاد هو الحديث أو

الفعل أو التقرير الذي رواه واحد عدل فطن مأمون ثقة، أو من في حكمه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و الركن الأساس في هذه التعريفات كلها و الذي له صلة بموضوعنا هو إفادة الخبر الآحاد للظن دون العلم و الذي اشار إليه غير واحد من الأصوليين.
قال الباجي في ((الإشارات)):" و أما خبر الآحاد فما قصر على التواترو ذلك لا يقع به العلم و إنما يغلب على ظن السامع له صحته لثقة المخبر عنه، لأ، المخبر و إن كان ثقة يجوز عليه الغلط و السهو كالشاهد". اهـ.
و لما كان خبر الواحد - عند الجمهور - مفيدا للظن دون العلم فقد قرروا رده و التوقف فيه إن لم يستوف شروط العمل به.
قال الخطيب في ((الفقيه و المتفقه))، ((باب ما يرد به خبر الواحد))... و إذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد بأمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه، لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول و أما بخلاف العقول فلا.الثاني: أن يخالف نص الكتاب و السنة المتواترة فيعلم أن لا أصل له أو منسوخ.الثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له ...الرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه، فيدل على أنه لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون له أصل و ينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم.و الخامس: أن ينفرد برواية ما جرت به العادة بأن ينقله أهل التواتر فلا يقبل لأنه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية". اهـ.
و من الذين شذوا من المالكية نجد ابن خويزمنداد فقال: يقع العلم بخير الواحد، معتمدا على شبه أدلة. و الذي عليه التعويل قول الخطيب.
أما إفادة خبر الآحاد للعمل فعليه إجماع الأمة. و أنكر ذلك جماعة من أهل البدع و الزيغ، و استدل الأصوليون على حجية خبر الواحد بأدلة من الكتاب و السنة و الإجماع و المعقول، مفصلة في كتبهم. و حجيته عند المالكية هو كما يأتي:
قال ابن القصار في ((المقدمة في الأصول)): " 
و مذهب مالك رحمه الله قبول خبر الواحد العدل و أنه يوجب العمل دون القطع على عينه،و به قال جميع الفقهاء، و قد احتج بذلك في المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا، و كذلك في غسل الإناء من ولوغ الكلب و في مواضع كثيرة".
و قال ابن عبد البر في مقدمة ((التمهيد)): "
 و أصل مذهب مالك رحمه الله و الذي عليه جماعة أصحابنا المالكيين أن مرسل الثقة تجب به الحجة و يلزم به العمل كما يجب بالمسند سواء".
و قد أجمع أهل العلم من أهل الفقه و الأثر في جميع الأمصار - فيما نعلم - على قبول الخبر الواحد العدل و إيجاب العمل به إذا ثبت و لم ينسخه غيره من أثر أو إجماع على هذا جميع الفقهاء، في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج أو طوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافا.

تعليقات